لا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى
في تاريخنا كانت قصة زواج إسماعيل عليه السلام من جرهم هي الانطلاقة الأولى لمفاخرة العرب , حيث صار ذلك تزاوجا حضاريا بين الدين واللغة , وبين المجد الروحاني والعرق العربي , وتمت مزاوجة تاريخية بين الحسب و النسب , و اكتسبت اللغة و الأمة بانضوائها تحت مظلة الدين الحنفي التوحيدي .
من المهم أن نلاحظ هنا أن عنصر التلاقح العرقي كان بين أكثر من عرق ومن جنس و إسماعيل عليه السلام غير عربي عرقيا ولم يكن يتكلم العربية صار الجذر الأهم في تكوين العرب . مما يعني أن نقاء العرق ليس أساسا, وان الأعراق تتمازج ثم يجري تبني اللغة و الثقافة و الجغرافيا ,لو افترضنا أن جرهم رفضت أن تزوج إسماعيل عليه السلام و اعتبرته دخيلا و أجنبيا ولم تزوجه ابنتها لتوقف التاريخ عن النمو وظلت جرهم قبيلة بدوية عادية الحال وبلا مستقبل مجيد.
كان إسماعيل عليه السلام ابن جارية وجاء إلى جرهم ليصاهرهم , في العرف الثقافي التقليدي الذي كان و مازال فإن جرهم العربية سترفض تزويج ابنتهم لرجل غير عربي وابن جارية , ولكنهم تجاوزوا هذا التقليد و زوجوه و نتج عن هذا الزواج تحول من أهم و اشد التحولات التاريخية حيث نشأ مسمى العرب المستعربة و كل العرب الآن عرب مستعربة . هذه القصة التاريخية تثبت لنا أن لا يوجد عرقي نقي لم يختلط بالأعراق الأخرى . قال ابن خلدون كلمة مهمة و هي ” أن الصفاء التام لا يكون إلا بالتوحش التام ” . كلما توحشت مجموعة و تصحرت انغلقت على نفسها و رفضت كل غريب و جديد .
قصة فاطمة و منصور و هي حادثة هزت المجتمع السعودي , فاطمة متزوجة من منصور بزواج شرعي و لديها طفل منه , بعد وفاة والد فاطمة تحرك إخوة لفاطمة غير أشقاء لرفع قضية ضد زوج أختهم بدعوى أن أختهم قبيلية و منصور غير قبيلي وطال الأمر حتى حكم القاضي بتطليقهما بدون رغبتهما بل حتى بدون علمهما ولأنهما لا يعلمان بالحكم بقيا معا لعدة أشهر و حملت فاطمة بالطفل الثاني . كانت حجة القاضي أن الضرر يقع على العائلة الكبرى لو استمر زواج امرأة قبيلية برجل غير قبيلي و هذا في عرف القاضي لا يقوم على التكافؤ و يضر بإسم العائلة و يؤثر في مكانتها و لذا حكم بالطلاق لان ضرر العائلة عنده أهم من ضرر الزوجان !
طبعا هذا ليس حكم شرعي فالقاضي قرأ النصوص الفقهية في اشتراط التكافؤ و فهمها على أنها تكافؤ النسب و ما حصل هو قراءة مصطنعه حيث افترض أن هناك فضلا وتفوقا بالنسب و أمن بأن الانتساب إلى القبيلة أمر تفضيلي و أن عدم الانتساب هو منقصة و اختلال في التكافؤ و هذا الأمر لا يمكن أن يقبل به من يقرأ نصوص القرآن و الأحاديث وهي مسألة ينفيها ويخالفها العقل و الدين و الوقائع و التاريخ .
لو ان القاضي سمع بقصة النبي عليه السلام مع ابنة عمته زينب بنت جحش لما حكم بهذا الحكم فقد زوج الرسول صلى الله عليه وسلم ابنة عمته زينب لمولاه زيد بن حارثة و هي سيدة جليلة ذات مقام عالي و حينما طلقها زيد تزوجها الرسول بنفسه , وهذا درس في النسب و التناسب حيث زوج ابنة عمته لمولاه زيد لكسر القاعدة الجاهلية و أيضا تزوجها بعد طلاقها ليؤكد بقاء مقامها و ان التزاوج بين الفئات لا يقلل من النسب أو من قيمة الفتاة و لا من حقها المعنوي و الاجتماعي .
هل سيفعل العرب الآن مثلما فعلت جرهم وبتزويج ابنتهم لرجل غير عربي وابن جارية , و هل سيفعلون مثل رسولنا الكريم بتزويجه ابنة عمته لمولى ؟ في الغالب لا !
المجتمع يفرق بين زواج الرجل و زواج المرأة حيث ان شروط تزويج المرأة أقسى من شروط تزويج الرجل , ولا بأس على الرجل ان يتزوج مصرية أو شامية أو مغربية أو حتى أوروبية أو أمريكية و ليس للمرأة ان تفعل ذلك حتى لو كان الزوج المفترض مسلما صالحا و من أصلح الخلق و الشرط عندهم ليس في الأخلاق بل بعصبة النسب !
قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ” إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ” .
تزاوج الأعراق وتقبل الأجناس والثقافات الأخرى ينتج مجتمع متطور و متقدم وبالتأكيد سيكون له تأثير على الأمة الإسلامية لأنه سيساعد الأمة على ان تتحد من جديد و تعود لتؤمن ان لا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى .
مقالة رائعةحقاً
وأتمنى أن تزول هذه العنصرية العرقية في بلادنا
فكما قال صلى الله عليه وسلم ، لا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى
شكراً على مرورك . أتمنى ذلك أيضا .